فصل: سلطنة المعز أيبك التركماني

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **


 سلطنة المعز أيبك التركماني

هو السلطان الملك المعز عز الدين أيبك بن عبد الله الصالحي النجمي المعروف بالتركماني أول ملوك الترك بالديار المصرية‏.‏

وقد ذكرهم بعض الناس في أبيات مواليا إلى يومنا هذا وهم الملوك الذين مسهم الرق غير أولادهم فقال‏:‏ أيبك قطز يعقبو بيبرس ياذا الدين بعدو قلاوون بعدو كتبغا لاجين بيبرس برقوق بعدو شيخ ذو التبيين ططر برسباي جقمق صاحب التمكين قلت‏:‏ هذا قبل أن يتسلطن الملك الأشرف إينال العلائي فلما ملك إينال قلت أنا‏:‏ أيبك قطز يعقبو بيبرس ذو الإكمال بعدو قلاوون بعدو كتبغا المفضال وقد خرجنا عن المقصود‏.‏

ولنعد إلى ذكر الملك المعز أيبك المذكور فنقول‏:‏ أصله من مماليك السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب اشتراه في حياة والده الملك الكامل محمد وتنقلت به الأحوال عنده ولازم أستاذه الملك الصالح في الشرق حتى جعله جاشنكيره ولهذا لما أمره كان عمل رنكه صورة خوانجا‏.‏

واستمر على ذلك إلى أن قتل المعظم توران شاه وملكت شجرة الدر بعده‏.‏

اتفق الأمراء على سلطنة الملك المعز أيبك هذا وسلطنوه بعد أن بقيت الديار المصرية بلا سلطان مدة وتشوف إلى السلطنة عدة أمراء فخيف من شرهم ومال الناس إلى أيبك المذكور وهو من أوسط الأمراء ولم يكن من أعيانهم غير أنه كان معروفا بالسداد وملازمة الصلاة ولا يشرب الخمر وعنده كرم وسعة صدر ولين جانب‏.‏

وقالوا أيضا‏:‏ هذا متى أردنا صرفه أمكننا ذلك لعدم شوكته وكونه من أوسط الأمراء‏.‏

فبايعوه وسلطنوه وأجلسوه في دست الملك في أواخر شهر ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين وستمائة‏.‏

وحملت الغاشية بين يديه وركب بشعائر السلطنة‏.‏

وأول من حمل الغاشية بين يديه الأمير حسام الدين بن أبي علي ثم تداولها أكابر الأمراء واحدا بعد واحد‏.‏

وتم أمره في السلطنة وخطب له على المنابر ونودي في القاهرة ومصر بسلطنته إلى أن كان الخامس من جمادى الأولى بعد سلطنته بخمسة أيام ثارت المماليك البحرية الصالحية وقالوا‏:‏ لا بد لنا من سلطان يكون من بني أيوب يجتمع الكل على طاعته وكان الذي قام بهذا الأمر الأمير فارس الدين أقطاي الجمدار والأمير ركن الدين بيبرس البندقداري والأمير سيف الدين بلبان الرشيدي والأمير شمس الدين سنقر الرومي واتفقوا على أن يكون الملك المعز أيبك هذا أتابكًا عليهم واختاروا أن يقيموا صبيا عليهم من بني أيوب يكون له اسم السلطنة وهم يدبرونه كيفما شاؤوا ويأكلون الدنيا به‏.‏

كل ذلك والملك المعز سامع مطيع‏.‏

فوقع الاتفاق على الملك الأشرف مظفر الدين موسى ابن الملك الناصر يوسف ابن الملك المسعود أقسيس ابن السلطان الملك الكامل محمد ابن السلطان الملك العادل أبي بكر ابن الأمير ووصلتْ طائفةٌ منهم من البَحْريّة على وجوههم إلى الصعيد وكانوا قد أساؤوا إلى المصريين ونهبوهم وآرتكبوا معهم كلّ قبيح فخافوا منهم فتوجهوا إلى الصعيد‏.‏

وخُطِب في ذلك النهار بالقاهرة ومصر والقلعة للملك الناصر صلاح الدين يوسف المذكور وفي جميع البلاد‏.‏

وأيقن كل أحد بزوال دولة الملك المُعِز أَيْبَك‏.‏

وبات في تلك الليلة جمالُ الدين بن يَغمور بالعباسة وأَحْمَى الحَمام للملك الناصر صلاح الدين يوسف وهيّأ له الاقامة‏.‏

كل ذلك والملك الناصر ما عنده‏!‏ خبرٌ بماوقع من القتال والكَسْرة وهو واقف بسَنَاجقه وأصحابِه ينتظِر ما يرد عليه من أمر جيشه‏.‏

وأما أمر المصريين فإنَه لما وقعت الهزيمةُ عليهم ساق الملكُ المعز أيبك وأَقْطَاي الجَمَدَار المعروف ب إ أقطيا أ في ثلاثمائة فارس طالبين الشامَ هاربين فعثَروا في طريقهم بشمس الدين لؤلؤ المقذَم ذكرُه والضياءِ القَيْمُري فساق شمس الدين لؤلؤ عليهم فحملوا عليه فكسروه وأَسَروه وقتلوا ضياءَالدين القَيْمُرِي وجيء بشمس الدين لؤلؤ إلى بين يدي الملك المُعِزّ أَيْبَك فقال الأمير حُسَام الدين بن أبي عليّ‏:‏ لا تقتلوه لنأخذ به الشام فقال أَقْطَاي الجَمَدَار‏:‏ هذا الذي ياخذ مصر منا بمائتي قِناع‏!‏ وجعَلَنا مَخاَنيثَ كيف نتركه‏!‏ وضربوا عنقه وساقوا على حَمِيَّة إلى جهة فاعترضوا طُلْب السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف فوقع المصَافّ بينهم فخامَر على الملك الناصر جماعةٌ من المماليك العَزِيزية من مماليك أبيه وجاؤوا إلى الملك المُعز أَيْبَك التُرْكُماني وقالوا له‏:‏ إلى أين تتوجه‏.‏

هذا السلطان واقفٌ في طُلْبِه ليس له عِلْمٌ بكسرتهم فعطفوا على الطُلْب وتقدمتهم العزِيزية فكَسروا سَناجِقَ السلطان وصناديقَه ونَهبوا ماله ورمَوه بالنُشًاب فأخذ نَوْفل البدوي وجماعة من مماليكه وأصحابه وعادوا به إلى الشام وأسر المصريون الملك المعظم توران شاه ابن السلطان صلاح الدين بعد أن جرحوه وجرحوا ولده تاج الملوك وأخذوا الملك الأشرف صاحب حمص والملك الزاهر عمه والملك الصالح إسماعيل صاحب الوقائع مع الملك الصالح نجم الدين أيوب وجماعة كثيرة من أعيان الحلبيين ومات تاج الملوك من جراحة كانت به فحمل إلى بيت المقدس ودفن به‏.‏

وضرب الشريف المرتضى في وجهه بالسيف ضربة هائلة عرضا وأرادوا قتله فقال‏:‏ أنا رجل شريف و ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتركوه وتمزق عساكر دمشق كل ممزق ومشوا في الرمل أياما‏.‏

وأما المصريون فإنهم لما وقعت لهم هذه النصرة عادوا إلى القاهرة بالأسارى وسناجق الناصر مقلوبة وطبوله مشققة ومعهم الخيول والأموال والعدد وشقوا القاهرة فلما وصلت المماليك الصالحية النجمية إلى تربة أستاذهم الملك الصالح نجم الدين أيوب ببين القصرين أخذوا الملك الصالح إسماعيل الذي أسروه في الوقعة وكان عدو أستاذهم الملك الصالح المذكور ووقفوا به عند التربة وقالوا‏:‏ يا خوند أين عينك ترى عدوك أسيرا بأيدينا‏!‏ ثم سحبوه ومضوا به إلى الحبس فحبسوه هو وأولاده أياما ثم غيبوه إلى يومنا هذا ولم يسمع عنه خبر إلا ما تحدث به العوام بإتلافه‏.‏

وأما عساكر الناصر الذين كانوا بالعباسة - أعني الذين كسروا الملك المعز أيبك أولا - فإن المعز لما تم له النصر وهزم الناصر رد إلى المذكورين في عوده إلى القاهرة ومال عليهم بمن معه قتلا وأسرا حتى بدد شملهم ورحل إلى القاهرة بمن معه من الأسارى وغيرهم‏.‏

ولما دخل الملك المعز أيبك هذا إلى القاهرة ومعه المماليك الصالحية مالوا على المصريين قتلا ونهبا ونهبوا أموالهم وسبوا حريمهم وفعلوا بهم ما لم يفعله الفرنج بالمسلمين‏.‏

قلت‏:‏ وسبب ذلك أنه لما بلغهم كسرة المعز فرحوا وتباشروا بزوال المماليك من الديار المصرية وأسرعوا أيضا بالخطبة للملك صلاح الدين يوسف صاحب الشام المقدم ذكره‏.‏

وكان السامري وزير الملك الصالح إسماعيل المقدم ذكره معتقلا بقلعة الجبل هو وناصر الدين إسماعيل بن يغمور نائب الشام وسيف الدين القيمري والخوارزمي صهر الملك الناصر يوسف فخرجوا من الجب وعصوا بقلعة الجبل فلم يوافقهم سيف الدين القيمري بل جاء وقعد على باب الدار التي فيها أعيان الملك المعز أيبك وحماها من النهب ولم يدع أحدا يقربها وأما الباقون فصاحوا‏:‏ الملك الناصر يا منصور‏.‏

فلما جاء الترك فتحوا باب القلعة ودخلوها وأخذوا من كان عصى فيها وشنقوا وزير الصالح و ابن يغمور والخوارزمي متقابلين وشنقوا أيضا مجير الدين بن حمدان وكان شابًا حسنًا وكان تعدى على بعض المماليك وأخذ خيله‏.‏

وأما الملك الناصر يوسف فإنه سار حتى وصل إلى غزة وأقام ينتظر اصحابه فوصل إليه منهم من سلم من عسكر الشام وعسكر الموصل ومضوا إلى الشام‏.‏

وأما العساكر المصرية فإن الملك المعز أيبك المذكور لما دخل إلى مصر بعد هذه الوقعة عظم أمره وثبتت قواعد ملكه ورسخت قدمه‏.‏

ثم وقع له فصول مع الملك الناصر يوسف المذكور يطول شرحها‏.‏

محصول ذلك‏:‏ أنه لما كانت سنة إحدى وخمسين وستمائة وقع الاتفاق بينه وبين الملك الناصر المذكور على أن يكون للمعز وخشداشيته المماليك الصالحية البحرية الديار المصرية وغزة والقدس وما بقي بعد ذلك من البلاد الشامية تكون للملك الناصر صلاح الدين يوسف‏.‏

وأفرج الملك المعز عن الملك المعظم توران شاه ابن الملك الناصر صلاح الدين يوسف المذكور وعن أخيه نصرة الدين وعن الملك الأشرف صاحب حمص وغيرهم من الاعتقال وتوجهوا إلى الشام‏.‏

ولما فرغ الملك المعز من ذلك أخذ ينظر في أمره مع فارس الدين أقطاي الجمدار فإنه كان أمره قد زاد في العظمة والتفت عليه المماليك البحرية وصار أقطاي المذكور يركب بالشاويش وغيره من شعار الملك وحدثته نفسه بالملك وكان أصحابه يسمونه الملك الجواد فيما بينهم‏.‏

كل ذلك والمعز سامع مطيع حتى خطب أقطاي بنت الملك المظفر تقي الدين محمود صاحب حماة وكان أخوها الملك المنصور هو يومئذ صاحب حماة بعد موت أبيه‏.‏

وتحدث أقطاي مع الملك المعز أيبك أنه يريد يسكنها في قلعة الجبل لكونها من بنات الملوك ولا يليق سكناها بالبلد فاستشعر الملك المعز منه بما عزم عليه وأخذ يدبر أمره وعمل على قتله فلم يقدر على ذلك‏.‏

فكاتب الملك المعز السلطان صلاح الدين يوسف واستشاره في الفتك به فلم يجبه في ذلك بشيء مع أنه كان يؤثر ذلك لكنه علم أنه مقتول على كل حال فترك الجواب‏.‏

ثم سير فارس الذين أقطاي الجمدار المذكور جماعة لإحضار بنت صاحب حماة إليه فخرجت من حماة ووصلت إلى دمشق بتجمل عظيم في عدة محفات مغشاة بالأطلس وغيره من فاخر الثياب وعليها الحلي والجواهر ثم خرجت بمن معها من دمشق متوجهة إلى الديار المصرية‏.‏

وأما الملك المعز فإنه لما أبطأ عليه جواب الملك الناصر صلاح الدين في أمر أقطاي وتحقق أن بنت صاحب حماة في الطريق بقي متحيرا إن منعه من سكنى القلعة حصلت المباينة الكلية وإن سكنه قويت أسبابه بها ولا يعود يتمكن من إخراجه ويترتب على ذلك استقلال الأمير فارس الدين أقطاي بالملك فعمل على معاجلته فدخل أقطاي عليه على عادته وقد رتب له الملك المعز جماعة للفتك به منهم الأمير سيف الدين قطز المعزي - أعني الذي تسلطن بعد ذلك - وبهادر وسنجر الغتمي فلما دخل أقطاي وثبوا عليه وقتلوه في دار السلطنة بقلعة الجبل في سنة اثنتين وخمسين وستمائة فتحرك لقتله جماعة من خشداشيته البحرية ثم سكن الحال ولم ينتطح في ذلك شاتان‏!‏‏.‏

ولما وقع ذلك التفت الملك المعز إلى خلع الملك الأشرف مظفر الدين موسى الأيوبي فخلعه وأنزله من قلعة الجبل إلى حيث كان أولا عند عماته القطبيات‏.‏

وركب الملك المعز بالسناجق السلطانية وحملت الأمراء الغاشية بين يديه واستقل على الملك بمفرده استقلالًا تامًا إلى أن قصدت المماليك العزيزية القبض عليه في سنة ثلاث وخمسين فشعر بذلك قبل وقوعه فقبض على بعضهم وهرب بعضهم‏.‏

ثم وقعت الوحشة ثانيا بين الملك المعز هذا وبين الملك الناصر صلاح الدين يوسف فمشى الشيخ نجم الدين البادرائي بينهما حتى قرر الصلح بين المعز وبين الناصر على أن تكون الشام جملة للملك الناصر وديار مصر للملك المعز وحد ما بينهما بئر القاضي وهو فيما بين الورادة والعريش واستمر الحال على ذلك‏.‏

ثم إن الملك المعز تزوج بالملكة شجرة الدر أم خليل في هذه السنة ودخل بها وكان زواجه بها سببا لقتله على ما تقدم في ترجمتها وعلى ما يأتي في هذه الترجمة أيضا‏.‏

ولما تزوجها وأقام معها مدة أراد أن يتزوج ببنت الملك الرحيم صاحب الموصل وكانت شجرة الدر شديدة الغيرة فعملت عليه وقتلته في الحمام وأعانها على ذلك جماعة من الخدام‏.‏

وقد ذكرنا ذلك كله مفصلا في ترجمة شجرة الدر فيما مضى‏.‏

وكان قتل الملك المعز في يوم الثلاثاء الثالث والعشرين من شهر ربيع الأول سنة خمس وخمسين وستمائة‏.‏

وكان ملكًا شجاعًا كريمًا عاقلًا سيوسًا كثير البذل للأموال أطلق في مدة سلطنته من الأموال والخيول وغير ذلك ما لا يحصى كثرة حتى رضي الناس بسلطان مسه الرق‏.‏

وأما أهل مصر فلم يرضوا بذلك إلى أن مات وهم يسمعونه ما يكره حتى في وجهه إذا ركب ومر بالطرقات ويقولون‏:‏ لا نريد إلا سلطانًا رئيسًا مولودًا على الفطرة‏.‏

على أن الملك المعز كان عفيفا طاهر الذيل بعيدا عن الظلم والعسف كثير المداراة لخشداشيته والاحتمال لتجنيهم عليه وشر أخلاقهم وكذلك مع الناس‏.‏

وخلف عدة أولاد منهم الملك المنصور علي الذي تسلطن بعده وناصر الدين قان‏.‏

قال الشيخ قطب الدين اليونيني في الذيل على مرآة الزمان‏:‏ ورأيت له ولدًا آخر بالديار المصرية في سنة تسع وثمانين وستمائة وهو في زي الفقراء الحريرية‏.‏

انتهى‏.‏

وكان للمعز بر ومعروف وعمائر من ذلك‏:‏ المدرسة المعزية على النيل بمصر القديمة ووقف عليها أوقافًا‏.‏

ودهليز المدرسة متسع طويل مفرط قيل‏:‏ إن بعض الأكابر دخل إلى هذه المدرسة المذكورة فراها صغيرة بالنسبة إلى دهليزها فقال‏:‏ هذه المدرسة مجاز بلا حقيقة‏!‏ انتهى‏.‏

وكان مدرسها القاضي برهان الدين الخضر بن الحسن السنجاري إلى أن مات‏.‏

وكانت مدة سلطنة الملك المعز على مصر سبع سنين‏.‏

ومات وقد ناهز الستين سنة - رحمه الله قلت‏:‏ وقد تقدم أن الملك المعز أيبك هذا أول من ملك الديار المصرية من الأتراك الذين مسهم الرق‏.‏

وقد ذكرنا مبدأ أمره وما وقع له من الحروب وغيرها على سبيل الاختصار‏.‏

ولنذكر هنا أيضًا من عاصره من ملوك الأقطار ليعلم الناظر في هذه الترجمة بأصل جماعة كبيرة من الملوك الآتي ذكرهم في الحوادث وأيضا بحد مملكة الملك المعز يوم ذاك وحد تحكمه من البلاد ومع هذا كان له من المماليك والحشم والعساكر أضعاف ما لملوك زماننا هذا مع اتساع ممالكهم‏.‏

انتهى‏.‏

ونذكر أيضا من أمر النار التي كانت بأرض الحجاز في أيام سلطنته في سنة أربع وخمسين وستمائة فنقول‏:‏ استهلت سنة أربع وخمسين المذكورة والخليفة المستعصم بالله أبو أحمد عبد الله العباسي ببغداد وسلطان مصر الملك المعز أيبك التركماني هذا وسلطان الشام إلى الفرات الملك الناصر صلاح الدين يوسف الأيوبي ما خلا حماة وحمص والكرك وبلادًا أخر نذكر ملوكها فيما يأتي - إن شاء الله تعالى - وهم‏:‏ صاحب حماة الملك المنصور ناصر الدين محمد بن محمود بن محمد بن عمر بن شاهنشاه بن أيوب‏.‏

وصاحب الكرك والشوبك الملك المغيث فتح الدين عمر ابن الملك العادل أبي بكر ابن الملك الكامل محمد ابن الملك العادل أبي بكر بن أيوب‏.‏

وصاحب صهيون وبرزيه وبلاطنس الأمير مظفر الدين عثمان ابن الأمير ناصر الدين منكورس‏.‏

وصاحب تل باشر والرحبة وتدمر الملك الأشرف مظفر الدين موسى ابن إبراهيم بن شيركوه بن محمد بن شيركوه بن شادي‏.‏

وصاحب الموصل وأعمالها الملك الرحيم بدر الدين لؤلؤ الأتابكي‏.‏

وصاحب ميافارقين وديار بكر وتلك الأعمال الملك الكامل ناصر الدين محمد ابن الملك المظفر شهاب الدين غازي ابن الملك العادل أبي بكر بن أيوب‏.‏

وصاحب ماردين الملك السعيد إيلغازي الأرتقي‏.‏

وصاحب إربل وأعمالها الصاحب تاج الدين بن صلايا العلوي من جهة الخليفة‏.‏

والنائب في حصون الإسماعيلية الثمانية بالشام رضي الدين أبو المعالي‏.‏

وصاحب المدينة الشريفة - صلوات الله وسلامه على ساكنها - الأمير عز الدين أبو ملك منيف بن شيحة بن قاسم الحسيني‏.‏

وصاحب اليمن الملك المظفر شمس الدين يوسف بن عمر‏.‏

وأما ملوك الشرق فسلطان ما وراء النهر وخوارزم السلطان ركن الدين وأخوه عز الدين والبلاد بينهما مناصفة وهما في طاعة هولاكو ملك التتار‏.‏

وأما أمر النار التي ظهرت بالحجاز قال قاضي المدينة سنان الحسيني‏:‏ لما كان ليلة الأربعاء ثالث خمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وستمائة ظهر بالمدينة الشريفة دوي عظيم ثم زلزلة عظيمة رجفت منها المدينة والحيطان والسقوف ساعة بعد ساعة إلى يوم الجمعة خامس الشهر المذكور ظهرت نار عظيمة وقد سالت أودية منها بالنار إلى وادي شظا حيث يسيل الماء وقد سدت مسيل شظا وما عاد يسيل‏.‏

ثم قال‏:‏ والله لقد طلعنا جماعة نبصرها فإذا الجبال تسيل نيرانا وقد سدت الحرة طريق الحاج العرافي وسارت إلى أن وصلت إلى الحرة فوقفت بعد ما أشفقنا أن تجيء إلينا ورجعت تسير في الشرق يخرج من وسطها مهود وجبال نيران تأكل الحجارة كما أخبر الله في كتابه العزيز فقال عز من قائل‏:‏ ‏"‏ إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ وقد كتبت هذا الكتاب يوم خامس رجب سنة أربع وخمسين والنار في زيادة ما تغيرت وقد عادت إلى الحرة وفي قريظة طريق الحاج العراقي‏.‏

وأما أمر النار الكبيرة فهي جبال نيران حمر والأم الكبيرة النار التي سالت النيران منها من عند قريظة وقد زادت وما عاد الناس يدرون أي شيء يتم بعد ذلك والله يجعل العاقبة إلى خير وما أقدر أصف هذه النار‏.‏

انتهى كلام القاضي في كتابه‏.‏

وقال غيره بعد ما ساق من أمر النار المذكورة عجائب نحوًا مما ذكرناه وأعظم إلى أن قال‏:‏ وقد سال من هذه النار واد يكون مقداره أربعة فراسخ وعرضه أربعة أميال وعمقه قامة ونصفا وهي تجري على وجه الأرض وتخرج منها أمهاد وجبال صغار تسير على الأرض وهو صخر يذوب حتى يبقى مثل الآنك فإذا جمد صار أسود وقبل الجمود لونه أحمر وقد حصل بسبب هذه النار إقلاع عن المعاصي والتقرب إلى الله تعالى بالطاعات وخرج أمير المدينة عن مظالم كثيرة‏.‏

ثم قال قطب الدين في الذيل‏:‏ ومن كتاب شمس الدين سنان بن نميلة الحسيني قاضي المدينة إلى بعض أصحابه يصف الزلزلة إلى أن ذكر قصة النار وحكى منها شيئًا إلى أن قال‏:‏ وأشفقنا منها وخفنا خوفًا عظيمًا وطلعت إلى الأمير وكلمته وقلت‏:‏ قد أحاط بنا العذاب ارجع إلى الله‏!‏ فأعتق كل مماليكه ورد على جماعة أموالهم فلما فعل هذا قلت له‏:‏ اهبط الساعة معنا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فهبط وبتنا ليلة السبت والناس جميعهم والنسوان وأولادهم وما بقي أحد لا في النخيل ولا في المدينة إلا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأشفقنا منها وظهر ضوءها إلى أن أبصرت من مكة ومن الفلاة جميعها‏.‏

ثم سال من ذلك نهر من نار وأخذ في وادي أحيلين وسد الطريق ثم طلع إلى بحرة الحاج وهو بحر نار يجري وفوقه جمر يسير إلى أن قطعت الوادي‏:‏ وادي الشظا وما عاد يجري سيل قط لأنها حفرته نحو قامتين‏.‏

والمدينة قد تاب جميع أهلها ولا بقي يسمع فيها رباب ولا دف‏.‏

ثم ذكر أشياء مهولة من هذا الجنس إلى أن قال‏:‏ والشمس والقمر من يوم طلعت النار ما يطلعان إلا كاسفين‏!‏ قال‏:‏ وأقامت هذه النار أكثر من شهرين‏.‏

وفيها يقول بعضهم‏:‏ البسيط يا كاشف الضر صفحا عن جرائمنا لقد أحاطت بنا يا رب بأساء نشكو إليك خطوبا لا نطيق لها حملًا ونحن بها حقًا أحقاء أقام سبعًا يرج الأرض فانصدعت عن منظر منه عين الشمس عشواء والقصيدة طويلة جدا كلها على هذا المنوال‏.‏

ولولا خشية الإطالة لذكرنا أمر هذه النار وما وقع منها فرأينا أن الشرح يطول والمقصود هنا بقية ترجمة السلطان الملك المعز أيبك‏.‏

ولما مات المعز رثاه سراج الدين الوراق بقصيدة أولها‏:‏ الطويل نقيم عليه مأتما بعد مأتم ونسفح دمعًا دون سفح المقطم ولو أننا نبكي على قدر فقده لدمنا عليه نتبع الدمع بالدم وسل طرفي ينبيك عني أنني دعوت الكرى من بعده بالمحرم ومنها في ذكر ولده الملك المنصور علي - رحمه الله -‏:‏ بنى الله بالمنصور ما هم الردى وإن بناء الله غير مهدم مليك الورى بشرى لمضمر طاعة وبؤسى لطاغ في زمانك مجرم فما للذي قدمت من متأخر ولا للذي أخرت من متقدم وأيبك صوابه كما هو مكتوب وهو لفظ تركي مركب من كلمتين‏.‏

فأي هو القمر وبك أمير فمعنى الاسم باللغة العربية أمير قمر ولا عبرة بالتقديم والتأخير في اللفظ وأيبك بفتح الهمزة وسكون الياء المثناة من تحت وتفخيمهما معا وبك معروف لا حاجة إلى التعريف به‏.‏

انتهى‏.‏

شاه ابن الملك الصالح نجم الدين ثم في صفر والربيعين منها الملكة شجرة الدر أم خليل الصالحية ثم في باقيها الملك المعز أيبك صاحب الترجمة ومعه الملك الأشرف مظفر الدين موسى والعمدة في ذلك على المعز هذا‏.‏

وهي سنة ثمان وأربعين وستمائة‏.‏

فيها كانت كسرة الفرنج على دمياط وقبض على الفرنسيس كما تقدم‏.‏

وفيها قتل الملك المعالم توران شاه وقد مر أيضا‏.‏

وفيها كانت الوقعة بين الملك الناصر صلاح الدين يوسف وبين الملك المعز هذا‏.‏

وفيها حج طائفة من العراق ولم يحج أحد من الشام ولا مصر في هذه السنة‏.‏

وفيها ثارت الجند ببغداد لقطع أرزاقهم‏.‏

وكل ذلك كان من عمل الوزير ابن العلقمي الرافضي فإنه كان حريصا على زوال دولة بني العباس ونقلها إلى العلويين وكان يرسل إلى التتار في السر والخليفة المستعصم لا يطلع على باطن الأمور‏.‏

وفيها لما فرغوا من حرب دمياط وتفرق أهلها نقلوا أخشاب بيوتهم وأبوابهم منها وتركوها خاوية على عروشها ثم بنيت بعد ذلك بليدة بالقرب منها تسمى المنشية‏.‏

وكان سور دمياط من أحسن الأسوار‏.‏

وفيها توفيت أرغوان الحافظية عتيقة الملك العادل أبي بكر بن أيوب سميت الحافظية لأنها ربت الملك الحافظ صاحب جعبر وكانن امرأة عاقلة صالحة وكانت مدة حبس الملك المغيث ابن الملك الصالح نجم الدين أيوب بدمشق تهيئ له الأطعمة والأشربة وتبعث له الثياب فحقد عليها الملك الصالح إسماعيل فصادرها وأخذ منها أموالًا عظيمة يقال‏:‏ إنه أخذ منها أربعمائة صندوق‏.‏

ولها تربة ومسجد ووقفت عليهما أوقافًا‏.‏

وفيها قتل الأمير شمس الدين لؤلؤ بن عبد الله مقدم عسكر حلب وهو الذي قتلته المماليك الصالحية في الوقعة التي كانت بين الناصر والمعز صاحب الترجمة‏.‏

وكان أميرًا شجاعًا مقدامًا زاهدًا مدبرًا عظيم الشأن وكان فيه قوة وبأس غير أنه كان مستخفًا بالمماليك ويقول‏:‏ كل عشرة من المماليك في مقابلة كردي ولا زال يمعن في ذلك حتى كانت منيته بأيدي المماليك الصالحية كما تقدم ذكره‏.‏

وفيها توفي أبو الحسن المتطبب وزير الملك الصالح إسماعيل وهو الذي كان السبب لزوال ملك مخدومه فإنه كان سيئ السيرة كثير الظلم قليل الخير وكان يتستر بالإسلام وكان يرمى في دينه بعظائم وقيل‏:‏ إنه كان أولًا سامريًا فلم يحسن إسلامه وظهر له بعد موته من الأموال والجواهر والتحف والذخائر ما لا يوجد في خزائن الخلفاء وأقاموا ينقلونه مدة سنين‏.‏

وقيمة ما ظهر له غير ما ذهب عند الناس ثلاثة آلاف ألف دينار ووجد له عشرة آلاف مجلد من الكتب النفيسة والخطوط المنسوبة‏.‏

قال الشيخ إسماعيل الكوراني يومًا وقد زاره الوزير المذكور‏:‏ لو بقيت على دينك كان أصلح لأنك تتمسك بدين في الجملة وأما الآن فأنت مذبذب لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء‏!‏‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي الإمام أبو محمد إبراهيم بن محمود بن سالم بن الخير في شهر ربيع الآخر وله خمس وثمانون سنة‏.‏

والحافظ شمس الدين يوسف بن خليل الدمشقي الأدمي بحلب في جمادى الآخرة وله ثلاث وتسعون سنة‏.‏

والقاضي أبو الفضل أحمد بن محمد بن عبد العزيز بن الحباب التميمي السعدي وله سبع وثمانون سنة في شهر رمضان‏.‏

والمحدث أبو محمد عبد الوهاب بن رواح واسمه ظافر بن علي بن فتوح القرشي المالكي‏.‏

وله أربع وتسعون سنة‏.‏

وأبو المنصور مظفر بن عبد الملك بن الفوي المالكي‏.‏

ونائب الملك الناصر الأمير شمس الدين لؤلؤ قتل في جماعة في الوقعة الكائنة بين المصريين والشاميين‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمس أذرع وأربع أصابع‏.‏

مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وإصبعان‏.‏

الصالحي النجمي التركماني على مصر وهي سنة تسع وأربعين وستمائة‏.‏

فيها عاد الملك الناصر صلاح الدين يوسف من غزة إلى دمشق وأرسل المعز عسكر مصر فنزل إلى غزة والساحل ثم عادوا إلى القاهرة‏.‏

وفيها أيضا أخذ الملك المغيث ابن الملك العادل ابن الملك الكامل الكرك والشوبك أعطاه إياهما الخادم‏.‏

ولما سمع الملك المعز بذلك جهز الأمير فارس الدين أقطاي الجمدار في ألف فارس إلى غزة‏.‏

وفيها نقلوا تابوت الملك الصالح نجم الدين أيوب إلى تربته بالقاهرة ببين القصرين ولبس الأمراء ثياب العزاء وناحوا عليه ببين القصرين وتصدقت جاريته شجرة الدر في ذلك اليوم بمال عظيم‏.‏

وفيها أخرب الترك دمياط وحملوا آلاتها إلى مصر وأخربوا الجزيرة - أعني الروضة - وأخلوها‏.‏

وفيها كثر الظلم بالديار المصرية وعظم الجور والمصادرات لكل أحد حتى أخذوا مال الأوقاف ومال الأيتام على نية القرض ومن أرباب الصنائع كالأطباء والشهود‏.‏

وفيها توفي الفقيه بهاء الدين علي بن هبة الله بن سلامة الجميزي كان إمامًا فاضلًا عارفًا بمذهب الشافعي دينًا وكان يخالط الملوك‏.‏

ولما حج قبل هدية صاحب اليمن فأعرض عنه الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي الإمام عبد الظاهر بن نشوان السعدي المقرئ النحوي الضرير في جمادى الأولى‏.‏

وأبو نصر عبد العزيز بن يحيى بن الزبيدي وله تسع وثمانون سنة‏.‏

والإمام أبو المظفر محمد بن مقبل بن فتيان النهرواني بن المني في جمادى الآخرة‏.‏

وأبو نصر الأعز بن فضائل ببغداد في رجب‏.‏

والأمير الصاحب جمال الدين يحيى بن عيسى المصري بن مطروح الأديب‏.‏

وأبو القاسم عيسى بن أبي الحرم مكي بن حسين العامري المصري المقرئ في شوال‏.‏

والإمام أبو محمد عبد الخالق بن الأنجب بن المعمر النشتبري بماردين في ذي الحجة وله تسعون سنة وأسبوعان‏.‏

والفقيه عبيد الله بن عاصم خطيب رندة وله سبع وثمانون سنة‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمس أذرع وعشرون إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة ثماني عشرة ذراعا وثماني عشرة إصبعا‏.‏

السنة الثالثة من ولاية الملك المعز أيبك التركماني وهي سنة خمسين وستمائة‏.‏

فيها وصلت التتار إلى الجزيرة ونهبوا ديار بكر وميافارقين وجاؤوا إلى رأس عين وسروج وغيرها وقتلوا زيادة على عشرة آلاف إنسان وصادفوا قافلة خرجت من حران تقصد بغداد فأخذوا منها أموالًا عظيمة‏:‏ منها ستمائة حمل سكر مصري وستمائة ألف دينار قاله أبو المظفر في مرآة الزمان قال‏:‏ وقتلوا الشيوخ والعجائز وساقوا من النساء والصبيان ما أرادوا ثم رجعوا إلى خلاط‏.‏

وقطع أهل الشرق الفرات وخاض الناس في القتلى من دنيسر إلى الفرات‏.‏

قال بعض التجار‏:‏ عددت على جسر بين حران ورأس عين في مكان واحد ثلاثمائة وثمانين قتيلا من المسلمين ثم قتل ملك التتار كشلوخان‏.‏

وفيها حج بالناس من بغداد بعد أن كان بطل الحج منذ عشر سنين من سنة مات الخليفة المستنصر‏.‏

وفيها قدم الشيخ نجم الدين البادراني رسولًا من الخليفة وأصلح بين المعز أيبك صاحب الترجمة وبين الناصر يوسف وقد تقدم ذلك وكان كل واحد من الطائفتين قد سئم وضرس من الحرب وسكنت الفتنة بين الملوك واستراح الناس‏.‏

وفيها توفي العلامة رضي الدين أبو الفضائل الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر بن علي القرشي العدوي العمري الصاغاني الأصل الهندي اللاهوري المولد البغدادي الوفاة المحدث الفقيه الحنفي اللغوي الإمام صاحب التصانيف ولد بمنية لاهور في عاشر صفر سنة سبع وسبعين وخمسمائة ونشأ بغزنة ودخل بغداد فسمع الكثير في عدة بلاد ورحل‏.‏

وكان إليه المنتهى في علم العربية واللغة وصنف كتاب مجمع البحرين في اللغة اثنا عشر مجلدًا وكتاب العباب الزاخر في اللغة أيضًا عشرون مجلدًا وأشياء غير ذلك‏.‏

قال الحافظ الدمياطي‏:‏ وكان شيخًا صدوقًا صالحًا صموتًا عن فضول الكلام إمامًا في اللغة والفقه والحديث قرأت عليه يوم الأربعاء وتوفي ليلة الجمعة تاسع عشر شعبان وحضرت دفنه بداره بالحريم الطاهري ببغداد‏.‏

ثم ترجمه الدمياطي ترجمة طويلة وأثنى على علمه وفضله ودينه‏.‏

وفيها توفي الشيخ شمس الدين محمد بن سعد بن عبد الله بن سعد بن مفلح بن هبة الله الكاتب المقدسي نشأ بقاسيون على الخير والصلاح وقرأ النحو والعربية وسمع الحديث الكثير وبرع في الأدب‏.‏

وكان دينًا حسن الخط وكتب للملك الصالح إسماعيل وللملك الناصر داود‏.‏

ومن شعره‏:‏ الوافر لنا بقدوم طلعتك الهناء وللأعداء ويحهم الفناء قدمت فكنت شبه الغيث وافى بلادًا قد أحل بها الظماء قلت‏:‏ ويعجبني في هذا المعنى قول القائل ولم أدر لمن هو‏:‏ الطويل قدومك أشهى من زلال على ظما وأحسن من نيل المنى في المآرب حكى الغيث وافى الأرض من بعد جدبها وأطلع فيها النبت من كل جانب وفيها توفي الأمير الصاحب جمال الدين أبو الحسين يحيى بن عيسى بن إبراهيم بن الحسين بن علي بن حمزة بن إبراهيم بن الحسين بن مطروح‏.‏

كان أصله من صعيد مصر وولد به ونشأ هناك ثم قدم القاهرة واشتغل وبرع في الأدب والكتابة واتصل بخدمة الملك الصالح نجم الدين أيوب‏.‏

قال أبو المظفر‏:‏ كان فاضلًا كيسًا شاعرًا‏.‏

ومن شعره لما فتح الناصر داود برج داود بالقدس قال‏:‏ السريع المسجد الأقص له عادة سارت وصارت مثلا سائرا إذا غدا للكفر مستوطنًا أن يبعث الله له ناصرا فناصر طهره أولًا وناصر طهره آخرا قال‏:‏ وتوفي في شعبان ودفن بسارية بالقرافة وكانت له أخبار عظيمة وكان قد دخل بين الخوارزمية والصالح أيوب واستنابه أيوب بالشام ولبس ثياب الجند وما كانت تليق به‏.‏

ثم غضب عليه الصالح وأعرض عنه إلى أن مات فأقام خاملًا إلى أن مات‏.‏

وقد كان جوادا ذا مروءة متعصبًا سمحًا حليمًا حسن الظن بالفقراء عارفًا فاضلًا‏.‏

انتهى كلام أبي المظفر‏.‏

قلت‏:‏ وديوان شعره مشهور‏.‏

ومن شعره القصيدة المشهورة‏:‏ الكامل هي رامة فخذوا يمين الوادي وذروا السيوف تقر في الأغماد وحذار من لحظات أعين عينها فلكم صرعن بها من الاساد يا صاحبي ولي بجرعاء الحمى قلب أسير ما له من فادي سلبته مني يوم بانوا مقلة مكحولة أجفانها بسواد وبحي من أنا في هواه ميت عين على العشاق بالمرصاد وأغن مسكي اللمى معسوله لولا الرقيب بلغت منه مرادي كيف السبيل إلى وصال محجب ما بين بيض ظبا وسمر صعاد في بيت شعر نازل من شعره فالحسن منه عاكف في بادي حرسوا مهفهف قده بمثقف فتشابه المياس بالمياد قالت لنا ألف العذار بخده في ميم مبسمه شفاء الصادي وهي أطول من ذلك اختصرتها خوف الإطالة‏.‏

ويعجبني قصيدة الجزار في مدح ابن مطروح هذا‏.‏

أذكر غزلها‏:‏ الرمل هو ذا الربع ولي نفش مشوقه فاحبس الركب عسى أقضي حقوقه فقبيح بي في شرع الهوى بعد ذاك البر أن أرضى عقوقه لست أنسى فيه ليلات مضت مع من أهوى وساعات أنيقه ضع يدًا منك على قلبي عسى أن تهدي بين جنبي خفوقه فاض دمعي مذ رأى ربع الهوى ولكم فاض وقد شام بروقه نفد اللؤلؤ من أدمعه فغدا ينثر في الترب عقيقه قف معي واستوقف الركب فإن لم يقف فاتركه يمضي وطريقه فهي أرض قلما يلحقها آمل والركب لم أعدم لحوقه طالما استجليت في أرجائها من يتيه البدر إذ يدعى شقيقه يفضح الورد احمرارًا خده وتود الخمر لو تشبه ريقه فبه الحسن خليق لم يزل والمعالي بابن مطروح خليقه وله بيتان ضمنهما بيت المتنبي الذي هو أول قصيدته وهو‏:‏ الطويل تذكرت ما بين العذيب وبارق مجر عوالينا ومجرى السوابق فقال ابن مطروح مضمنًا‏:‏ الطويل إذا ما سقاني ريقه وهو باسم تذكرت ما بين العذيب وبارق ويذكرني من قده ومدامعي مجر عوالينا ومجرى السوابق الحسين المعروف بابن الواعظ المقدسي ثم الإسكندراني عن إحدى وثمانين سنة‏.‏

وأبو القاسم يحيى بن أبي السعود نصر بن قميرة التاجر في جمادى الأولى وله خمس وثمانون سنة‏.‏

والعلامة أبو الفضائل الحسن بن محمد بن الحسن العدوي العمري الصغاني النحوي اللغوي‏.‏

والأديب شمس الدين محمد بن سعد بن عبد الله المقدسي الكاتب في شوال‏.‏

والمسند رشيد الدين أحمد بن المفرج بن علي بن عبد العزيز بن مسلمة العدل في ذي القعدة‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربع أذرع وسبع أصابع‏.‏

مبلغ الزيادة ثماني عشرة ذراعا وسبع عشرة إصبعا‏.‏